ما هي فقاعة التَّرشيح؟

ثقافة لا توجد تعليقات

اتخاذ القرارات أو التحيُّز لوجهات نظر يغذيه في الغالب الخبرة ومصادر المعلومات والمعرفة. لكننا ننحاز أحياناً بل غالباً لوجهة نظرنا السياسية أو الحزبية، لربما الدينية والطائفية. لربما نُصبح أكثر تطرُّفاً في انفعالاتنا وردود أفعالنا وتعليقاتنا وانحيازنا؟ ما الذي يغذي تلك التَّصرفات؟ لماذا أصبح الكثيرون أكثر انحيازاً لوجهة نظرهم؟ ما أسباب اتخاذ قرارات أكثر تطرُّفاً وانحيازاً؟ ما الذي يحدث؟

مصادر المعلومات

بدأت تنحصر مصادر معلوماتنا وقاعدتنا المعرفية بشبكات التواصل الإجتماعي أو المواقع الإخبارية التي نتابعها يومياً عبر تطبيقات الهاتف المحمول. نبدأ باستقبال كم هائل من المحتوى والمعلومات المُوجهَّة لنا بشكل خاص، حيث أن شبكات التواصل الإجتماعي ومحركات البحث تقوم باستخدام تقنيات تتعرف من خلالها على رغباتنا وتوجهاتنا الثقافية والفكرية حتى انتمائاتنا الدينية والحزبية وبناءً عليها تقوم بتقديم محتوى يتشابه إلى حد كبير، ويسمى هذا المحتوى الموجه بنظام التوصية.

تقنيات التوصية تبني ملف شخصي لكل مستخدم بناءً على الكثير من المعطيات، منها سجل البحث والمشاركات التي قمنا بالتفاعل معها ونوعية الجهاز الذي نستخدمه وموقعنا الجغرافي وغيرها من المعلومات. وبهذا تقوم شبكات التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر وانستقرام وسناب شات ومحركات البحث مثل غوغل وبينغ وغيرها من المواقع التجارية كأمازون أو مواقع المراجعات مثل تريب أدفايزر بتوجيه المحتوى الذي يظهر لنا.

فقاعة الترشيح

يسمى توجيه أو حصر المحتوى الذي نشاهده بفُقاعة التّرشيح (Filter bubble)، حيث تقوم أنظمة التوصية المدعومة بخوارزميات الذكاء الصناعي في هذه الشبكات والمواقع بتخمين المعلومات التي قد يفضل المستخدم الوصول إليها أو رؤيتها. يدَّعي إيلي باريسر مؤلف كتاب “فقاعة الترشيح: ماذا تخفي عنك الإنترنت” أن المستخدم أصبح محصوراً ضمن إطار ضيِّق لا يمكنه من الوصول لأفكار أو معلومات جديدة أو مختلفة، فعلى سبيل المثال لن تصلك أفكار سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو إنسانية خارج هذه الفقاعة التي صنَعتها لك تلك الشبكات والمواقع.

الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، مصدر الصورة: pixabay

فالمعلومات التي تظهر لك على فيسبوك أو تويتر أو سناب شات أو تيكتوك هي مشاركات قام أصدقاؤك بنشرها أو أصدقائهم، والأخبار التي تظهر لك هي من المصادر التي قمت بالإعجاب بها، أو من قبل مؤثرين قمت بمتابعتهم كمحترفي كرة قدم أو سياسيات أو سياسيين أو ممثلات أو ممثلين وبهذا يتم حصر مصادر معلومات المستخدم. أما الإعلانات التي تظهر لك خلال استخدامك للإنترنت هي نتاج مشاركة ملفك لدى تلك المواقع مع شبكة المعلنين، فمثلاً إذا بحثت عن دراجة نارية على محرك البحث أو أعجبت بدراجة هوائية على مواقع التواصل الاجتماعي ستبدأ الإعلانات التي تراها لفترة من الزمن في غالبها لدراجات إما هوائية أو بخارية.


فُقاعة الترشيح هي نظرية تقول بأنَّ خوارزميات من شَرِكات مثلَ غوغل وميتا وتويتر وتيك توك وغيرِها تقوم بترشيح وتخصيص الفيديوهات والأخبار والقصص والمواضيع التي تصلنا

فخ الأفكار المكررّة

ذكر الأخوين تشيب ودان هيث في كتاب “الحسم – كيف تتخذ قرارات أفضل في الحياة والعمل” عن تجربة قام بها أحد الباحثين، حيث عرض على المشاركين في البحث جُمل غريبة مثل: “سحّاب الملابس صنع في النرويج” وقد أُخبر المشاركون بأن هذه الجمل قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة. خلال التجربة تم تكرار عينة من الجمل لثلاث مرات في نصوص مختلفة ومن ثم طُلب من المشاركين تقييم صحة الجُمل. وجد الباحث أن الجُمل المكررة جعلت المشاركين يؤيدون صحتها أكثر من الجمل التي لم تتكرر.

وفي دراسةٍ أخرى أجريت على مجموعة من مستخدمي تويتر، وُجد أنّ أكثر المستخدمين الذين ينتمون لحزب سياسي يقومون بإعادة تغريدات تدعم حزبهم. ويقوم هؤلاء المستخدمون في الغالب بنشر تغريدات لمقالات في صحف تميل لحزبهم السياسي. أو إعادة نشر تغريدات لسياسيين أو مؤثرين من نفس الحزب أو الطائفة أو الإنتماء. هذه التغريدات تضع هؤلاء المستخدمين ومتابعيهم في دائرة الأفكار المكررة.

تجارب آش للإمتثال للأغلبية

قام الباحث في مجال علم النفس الإجتماعي سولومون آش في خمسينيات القرن الماضي بإجراء اختبارات سُميت باختبارات آش للإمتثال، والتي درست ما إذا كان الأفراد سيمتثلون للأغلبية أو يتحدوها، ونتائج هذه التأثيرات على المعتقدات والآراء. حيث أدخل مجموعة من الأشخاص لغرفة هذه المجموعة معدة مسبقاً باستثناء شخص واحد لم يتم إعلامه بالتجربة. يدخل خمسة أشخاص لقاعه ويتم سؤالهم عن معلومات عامة معروفة لدى الجميع، يقوم أربعة أشخاص بالغرفه بإعطاء إجابه خاطئة لكنهم يجمعون عليها، وجد آش أن الشخص الخامس رهن الإختبار غالباً ما يتبنى رأي الأغلبية ويسمى ذالك الإمتثال الجماعي، حيث تنقاد الأقلية وراء الأغلبية حتى ولو علمت أن الأغلبية خاطئة.

في هذه التجربة إنصاعت الأقلية للأغلبية، ومن ثم بدأت الأقلية في التأثير على الأغلبية الجديدة، هذا الفيديو انتاج ناشيونال جيوغرافي بالتعاون مع الباحث جونا بيرغر

هذه الأفكار المكررة وأنظمة التوصية التي تحيط بنا كالفقاعة وتعزز انحيازنا الذاتي، فحين نتلقى معلومات تعزز قناعات نميل لها فإنها ستترسخ في عقولنا وقلوبنا ونصبح أقرب لرفض أي فكرة لا تندمج مع ما ننحاز له من أفكار وقناعات، وبهذا يصبح الناس كمن يسمع صدى صوته في غرفةٍ فارغة فيخسرون قدراتهم على الحصول على الرأي الآخر الذي ربما يكون على صواب أو أقرب إلى الصواب.

سيكولوجية الجماهير

ذكر الطبيب وعالم الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير” أنّه ما إن ينضوي الفرد داخل صفوف الجماهير، فإنه ينزل درجات عديدة في سلم الحضارة. فهو عندما يكون فردا معزولا يكون مثقفا متعقلا، ولكنه ما إن ينضم إلى الجمهور حتى يخضع للأغلبية. ومن يجيد إيهام الجماهير يصبح سيدا لهم، ومن يُحاول قشع الأوهام عن أعينهم يصبح ضحيتهم. من الواضح أن الجماهير تخضع لتحريضات وإيعازات أحد المحركين أو القادة الذي يعرف كيف يفرض إرادته عليها. وقد رأينا من تجربة “بريكزيت” والانتخابات الأميركية كيف تم استغلال شبكات التواصل الاجتماعي لفرض السّطوة عبر العبارات والصور المؤثرة، حيث انقاد العديد لمخالفة مصالحهم الشخصية.

الخلاصة

يبدو أن تكرار المكرر و حصر المحتوى جعل كثيرين أكثر تشدداً لأفكارهم أو لربما أكثر تطرفاً وانحيازاً ورفضاً للآخر. إذن كيف نخدع تلك الخوارزميات الذكية حتى نخرج من فقاعات الترشيح والأفكار المكررة، الجواب بسيط علينا تصفح مواقع متنوعه ومختلفه وقد لا توافق أفكارنا، فإذا كنا نميل إلى الأفكار اليسارية لم لا نقرأ بعض ما يكتبه اليمين فمثلاً لو تفاعلت مع مقالات أو مشاركات لا توافق أفكارك من وقتٍ لآخر فأنت حتماً تخدع خوارزميات فقاعات الترشيح وتقلل من تأثيرها عليك.

المراجع

Loading

اترك تعليقاً