الانحياز النفسي، ما هو وكيف تتجنبه؟

علوم, مال وأعمال لا توجد تعليقات

تعتمد حياتنا على قرارات نتخذها في كل مفصل من مفاصلها، قد تكون قرارات هامة وكبيرة أو قرارات يومية وعادية.

تظهر أهمية هذه القرارت أيضاً في الأعمال والوظائف المختلفة، بعض القرارات قد تؤثر على كامل المؤسسة، بعضها الآخر قد يؤدي إلى نجاح المشروع أو فشله.

المادة الخام في عملية صناعة القرارات هي معالجة البيانات واستنتاج المعلومات، هناك العديد من العوامل التي قد تؤثر في هذه العملية، ويعد الانحياز النفسي (ويُسمى أيضاً الانحياز المعرفي) (Psychological Bias) من العوامل التي تساهم أحياناً بشكل سلبي في هذه العملية، فلربما تؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة أو غير حكيمة.

ما هو الانحياز النفسي؟

يشير مصطلح الانحياز المعرفي إلى تكرار استخدام طرق خاطئة في التفكير قد تؤدي إلى نتائج عدم دقيقة أو غير واقعية أو غير عقلانية.

أوضح العلماء دانيال كانيمان وباول سلوفيك وآموس تفيرسكي في كتاب “الحكم في ظل عدم التأكد” (Judgment under Uncertainty)، أنك قد تنحاز في اتخاذ القرار بسبب ضغط بعض الزملاء عليك، أو بسبب استخدامك الانتقائي للمعلومات دون وعي منك.

من الأسباب الشائعة أيضاً للوقوع في الانحياز النفسي: عيوب الذاكرة، المدخلات العاطفية، الضغوط الاجتماعية، الشيخوخة، والحدود الطبيعية لقدرة الدماغ على معالجة المعلومات.

في دراسة نشرها دانيال (الذي سبق ذكره) مع دان لوفالو وأوليفر سيبوني في مراجعات هارفرد للأعمال، أشاروا إلى أنه من الصعب إدراك الانحيازات النفسية في ذواتنا، لأنها عمليات تتم بشكل لاواعي في غالب الأمر، لذلك فإنه يُنصح باتخاذ القرارات المهمة في المؤسسات عن طريق فريق عمل وليس بشكل فردي.

بعض أشكال الانحياز النفسي

تتعدد أنواع التحيز النفسي، معرفة شكل الانحياز النفسي وكيفية تجنبه قد تساعدك على اتخاذ قرار أفضل المرة القادمة. ومن هذه الأنواع نذكر التالي:  

1- الانحياز التأكيدي

وهو من الأشكال الشائعة للانحياز، ويحدث عندما تستخدم المعلومات التي تؤكد اعتقاداتك المسبقة، وترفض استخدام المعلومات التي تخالف هذه الاعتقادات.

مثال بسيط على ذلك، اذا كان لديك اعتقاد مسبق بأن الشخص الأعسر (هو الشخص الذي يستخدم يده اليسرى) أذكى ممن يستخدم يده اليمنى، ستقوم بذكر عدد من الأمثلة التي تدعم هذه النظرية، لكنك ستهمل –بشكل واعي أو لاواعي – العديد من الأشخاص العُسر والذين يملكون مستوى ذكاء عادي وليسوا مميزين.

ويظهر الانحياز التأكيدي بشكل كبير في القرارات التي تشمل دراسات احصائية، إذ يعمد العديد من الناس إلى التركيز على الإحصائيات التي تدعم ما يقوله ويتجاهل أي احصائيات أخرى.

كيف تتجنب الانحياز التأكيدي؟

التفكير الموضوعي هو المفتاح لتجنب الانحياز التأكيدي، لتفكر بموضوعية حاول إحاطة الموقف من جميع جوانبه، من المهم أيضاً أن تسأل الآخرين عن رأيهم، لا تخف من التعرف على الأفكار الأخرى، صحيح أن هذا سيخرجك من دائرة الأمان التي قد تحيط بك، لكنه سيساعدك على اتخاذ قرارات أفضل.

في العمل المؤسسي احرص على الاطلاع على رأي كافة أفراد فريق العمل.

من الطرق الفعالة في اتخاذ القرارات بشكل موضوعي تعيين شخص في الفريق في دور “المُخالف”، وهو الشخص الذي سيخالفك دائماً في وجهة نظرك، هذا سيساعد على إثراء النقاش بآراء مختلفة وستصل إلى قرارات أكثر موضوعية.

تعدد المصادر المعلوماتية والمعرفية هام للغاية، فبعضنا يقرأ نفس الصحيفة كل يوم، ولربما نفس المصادر العلمية وغيرها. علينا تنويع مصادرنا المعرفية لعدم الدخول في فقاعة الترشيح.

2- انحياز الإرساء

يحدث هذا الانحياز عندما تتخذ قراراً بشكل سريع بناءً على معلومات جمعتها مبكراً، صحيح أنه قد يساعد على اتخاذ القرارت بسرعة، لكن احتمال عدم دقة هذه القرارات كبيرٌ جداً، أي أنك ترسو بشكل كبير على المعلومات الأولية بدلاً من التوسع في البحث.

يعد الانطباع الأول من الأمثلة الشائعة على هذا الانحياز، عندما تُشكل نظرة عن شخص ما عند أول لقاء به، ستجد صعوبة في تغيير هذه النظرة بعد ذلك.

كيف تتجنب انحياز الإرساء

السرعة في اتخاذ القرار هي المسبب الأساسي في هذا الانحياز، اذا كنت تشعر أنك وقعت في هذا الانحياز سابقاً يجب عليك أن تأخذ وقتك في جمع المعلومات ومعالجتها، واطلب المزيد من الوقت اذا كنت تتعرض لضغط من مديرك أو زملائك في العمل. في المسائل الهامة والمصيرية تجنب اتخاذ قرارات سريعة قد ينعكس أثرها لفترة طويلة، حاول الحصول على الوقت الكافي.

3- انحياز الثقة المفرطة

هذا النوع من الانحيازات شائع عند رواد الأعمال، كما أظهرت دراسة أُجريت عام 2000، وتحدث عندما يمتلك صاحب القرار ثقةً زائدة في معرفته المسبقة وحدسه، دون النظر الموضوعي للمعطيات. قد يشعر هذا الشخص أن قراراته أفضل من غيره من الأشخاص، الأمر الذي قد لا يكون صحيحأً.

كيف تتجنب انحياز الثقة المفرطة

هناك ثلاثة عوامل رئيسية تساعد في معالجة هذا الانحياز:

  1.  الاعتماد على مصادر واضحة للمعلومات في عملية اتخاذ القرار، وليس على الحدس.
  2. مشاركة الآخرين في صنع القرار.
  3. اعتماد نظام واضح ومحدد لجمع المعلومات ومعالجتها.
استشارة الآخرين وإشراكهم في عملية اتخاذ القرار يساعد على تجنب الانحياز، المصدر: Pixabay

4- مغالطة المقامر

تحدث عندما تستخدم معلومات من الماضي في الاستدلال على نتائج مستقبلية لأحداث مستقلة عن الماضي.

من الأمثلة الشائعة على ذلك، رمي عملة النقود، اذا حصلت على صورة في 7 مرات متتالية قد تظن أن فرصتك في الحصول على كتابة في المرة الثامنة أعلى، وهذا ليس صحيحاً، إذ أن كل رمية مستقلة عن سابقاتها ولا تتأثر بها.

كيف تتجنب مغالطة المقامر

تحدث هذه المغالطات عادةً عندما يتم النظر إلى نمط نجاح معين بشكل زمني، وعند ربط أحداث مستقلة بأحداث مشابهة لها في الماضي.

على سبيل المثال عندما تفشل مجموعة مشاريع أطلقتها بشكل متتالي.

 عليك هنا أن تدرس الأسباب التي أدت إلى فشلك وتعمل على تغييرها، وتجنب النظر إلى النمط الزمني للنجاح أو الفشل، استخدم تحليل “بيست” (PEST Analysis)، والذي يتضمن تحليل 4 عوامل تؤثر في الأعمال والسوق (عوامل سياسية، اقتصادية، اجتماعية وتقنية).

5- انحيازات الإسناد

هذه الانحيازات تحدث عندما ننسب النتائج السيئة إلى عوامل لا علاقة لها بنا، بينما تلك النتائج كانت من صُلب قراراتنا الخاطئة.

خطأ الإسناد الأساسي من الأنواع الشائعة لهذا الانحياز، وهو لوم الأشخاص الآخرين على الحوادث التي تحدث لنا، مثل لوم السائق الآخر على الحادث الذي وقعتما به بدلاً من لوم الطقس السيء. يحدث عادةً بسبب صورة نمطية لديك أو تصور خاطئ عن الشخص المقابل.

وهناك أيضاً انحياز الفاعل والمراقب، الذي يُسند اللوم إلى أحداث خارجية، مثلاً اذا كان الحادث خطأً منك ستلوم الكوابح أو الطريق السيء بدلاً من لوم نفسك. أو عندما تخسر في مباراة للتنس، لربما تُرجع الخسارة إلى أنك عملت في ذلك اليوم لساعه متأخرة، بينما السبب الحقيقي هو فقدانك للَّياقة أو حاجتك للمزيد من التدريب.

تجنب انحيازات الإسناد

من المهم النظر إلى الأشخاص والأحداث التي تحيط بالمواقف التي نتعامل معها، لكن يجب النظر إليها بموضوعية واعتبار الدور الشخصي في النتائج السلبية والإيجابية.

 من المهم أيضاً التعاطف مع الآخرين وفهم أسباب قيامهم بالأمور المختلفة، والبحث الجاد عن كافة العوامل التي قد تكون أثرت في الحَدَث.

خاتمة

أول خطوات اتخاذ القرار هو تعدد المصادر وأخذ الوقت الكافي واستشارة فريق العمل أو الدائرة المقربه منك، سواءً علمت بدعمهم لقراراتك أو معارضتهم لها. تعدد الأفكار ينتج عنه اتخاذ قرارات أفضل وتقليل عبء الأخطاء أو النتائج غير المرجوة أو الفشل. عادةً ما يحدث الانحياز بشكل لاواعي، يجب البحث عنه وحله لزيادة دقة وفعالية القرارات التي نتخذها.

قد يعني هذا الحاجة إلى طلب المساعدة من الآخرين والاعتراف بالخطأ، وقد يكون هذا ثقيلاً على النفس، لكنه مهم لإدارة الحياة بشكل صحيح والمحافظة على علاقات جيدة مع الآخرين.

المصادر

Loading

اترك تعليقاً