شبكات التَّوَاصُلِ الاجتماعي وهندسةُ المجتمع

تكنولوجيا المعلومات لا توجد تعليقات

هُنَاك عَامِلَيْنْ أساسيَّيْنْ فِيْ هَنْدَسَةِ الْمُجْتَمَع هُمْ الْمُؤَثِّرُون وَالذُّبَاب الإلِكْتُرُونِي.

الْمُؤَثِّرُون هُم أَشْخَاصٌ مَشْهُورُونَ أَو ذَاعَ صِيتُهُم عَبْرَ مَوَاقِع التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيّ يَقُومُون بِنَشْرِ أَفْكَارٍ مُعَيَّنَة، هَذِه الْأَفْكَار يَتَدَاوَلُهَا النَّاسُ ويصبحوا مُقتَنِعينَ بِهَا ويقلِّدونَها سَواءً كَانَتْ بِطَرِيقَةِ الطَّعامِ، أَو اللِّبَاسِ، أَو الْأَفْكَار السِّيَاسِيَّةِ، أَو الاجتِماعيَّه، أو الاقْتِصَادِيَّةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

شبكات التواصل الاجتماعي وهندسة المجتمعات


أما الذُّبَابُ الإلِكْتُرُونِيُّ فَهُوَ صداً لِمُنظَّماتٍ حكوميةٍ أو أحزابَ سياسيةٍ أو جماعاتٍ ذات مُيولٍ محددة، يَقوم الذُّبَابُ الإلِكْتُرُونِيُّ بترديدِ أقْوالٍ، أو أفكارٍ، أو طروحاتٍ، أو تَوَجُّهاتٍ مُعيَّنةٍ تَصبُّ في صالحِ تِلْك الأحزابِ أو الجماعاتْ. الذُّبَابُ الإلِكْتُرُونِيُّ هو تطبيقٌ لفَلْسَفَةٍ نازِيَّةٍ قَديمة تُسمَّى: “الكَذِبَةُ الكَبيرة” وَهِيَ تَشْويهْ جَسيْمْ أو تَحريفْ كَبيرْ للحقائقْ، خاصةً عِندَ استخدامها كَوَسيلَةٍ دِعَائِيَّةٍ مِن قِبَل سياسيّ أو هَيْئَةٍ رَسْمِيَّة.


اِهْتَمّ عُلَمَاء النَّفْسِ الاجْتِماعِيِّ فِي خمسينيات القَرْنِ الماضِي بِدِرَاسَةِ مُصْطَلَح “غسيل الدِّماغ” الَّذِي يَتَلَخَّصُ فِي السَّيْطَرَة عَلَى الْعُقُولِ عَنْ طَرِيقِ عِدَّةِ أساليبَ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ التخدِيرُ النَّفْسِيّْ، إِجْرَاءات التَّلْقِينْ، الْإِقْنَاع الْغَامِضْ، وَغَيْرِهَا. أَلَّفَ عَالِمُ النَّفْسْ رُوبَرْتْ جِاي لِفتُن كِتَابً بِعُنْوَان “إعادَةُ تَشْكِيلِ الْفِكْر وسَيكولوجيا الشُّمولِيَّة”. وَأحَدُ أَهَمِّ استنتاجاتِهْ تتلخَّصُ في: “أنَّ الشَّخْصَ الْمَغْسُولَ دماغياً يُهاجَمُ بإِحْساسِهْ لِيَنْتَهِي بِتَغْيِيرِ أَفْكَارِه ومُعْتَقَداتِهْ”.


مَن مِنَّا لَا يَشْعُرُ بِأَنَّ تَصَفُّحِه لشبكات التَّوَاصُل الاجْتِمَاعِيّ يَقُومُ بِتَغْيِيرِ مِزَاجِهِ وَالتَّلَاعُبِ بِأَحاسيْسِهْ؟


تَتَقَارَب كثيراً فِكْرةُ تَرْشِيحِ أو تَوجيهِ مُحْتَوًى مُحَدَّد للمستخدم مَعَ مَبَادِئِ أسَالِيبِ الْإِقْنَاعْ الْقَسْرِيّْ الَّتِي تَحْدَّثَ عَنْهَا لِفتُنْ فِي كِتَابَاتِهِ، فإجراءات التَّلْقِين وَطُرُقُ الْإِقْنَاعِ وَالتَّلَاعُبُ بالمشاعرِ عَبْرَ نَشَرِ مُحْتَوًى مُعَيَّنٍ مِنْ زَاوِيَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤَدِّي بِالضَّرُورَة إلَى إعَادَةِ تَشْكِيلِ فِكْرِ المُسْتَخدمِ وَفَرْضِ سَطْوَةٍ اِجْتِمَاعِيَّةٍ عَلَيْهْ.


فَلَوْ دَخَلْتَ فِي نِقَاشٍ مَعَ أَحَدِهِمْ حَوْلَ مَوْضُوعٍ رُبَّمَا يَكُونُ تافهاً، كَمُباراةِ كُرَةِ قَدَمٍ، تَرَى تَعَصُّبً غَرِيبً لَم نكُن نَعهَدُهُ مِن قَبْلْ، لَا يُوجَدُ لِهَذَا التَّعَصُّبِ أَيُّ مُبَرِّرٍ نَفْسِيٍ سِوَى تَأَثُّرِ المستَخدِمينَ بِمَا يُشَاهِدُونَهُ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيّ وَوُصولِهِمْ لِمَرْحَلةِ التَّخدِيرِ النَّفْسِيِّ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى التَّطَرُّف الفِكْرِيِّ وَرَفْضِ الْآخَر. هَذَا التَّلَاعُبُ الْخَفِيُّ فِي مَشَاعِرِ النَّاسِ، فَرَضَ هَنْدَسَةً اِجْتِمَاعِيَّةً جَدِيدَة، بَدَأْنَا نَرَى أَثَرَهَا فِي حَيَاتِنَا اليَوْمِيَّة. لَقَدْ أَصْبَحَتْ شَبَكَاتُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيّ مَرتَعاً لِلْأَفْكَارِ الْغَرِيبَةِ وَالْأَخْبَارِ الْمُلَفَّقَةِ، أَو الْمُجْتَزَئَةِ، الَّتِي يَقُومُ بِنَشْرِهَا خَلَايَا سَوْدَاوِيَّة لَهَا أَهْدَافٌ مُعَيَّنَةٌ تَسْتَغِلُّ الدِّينَ وَالْمَذْهَبَ وَغَيْرِهَا. وَأَصْبَحَ الْكَثِيرُون حَتَّى المثقفون مِنْهُم يَتَبَادَلُون هَذِهِ الْأَخْبَارَ الْمُلَفَّقَة وَالْأَفْكَارِ الْغَرِيبَةِ دُونَ كَامِلِ إدْرَاك بِمَا يَفْعَلُون.

الْخَطَرُ الْأَكْبَرُ يَكْمُنُ فِي التَّأْثِيرِ عَلَى النَّشء والشَّباب، فهُم الْأَكْثَرُ عُرْضَةً لِلتَّأَثُّرِ بِالْأَفْكَارِ الْغَرِيبَةِ والمتطرِّفَةِ بِسَبَبِ قِلَّةِ الْخِبْرَةِ خصوصاً فِي مَرْحَلَةٍ النُّضْج.

Loading

اترك تعليقاً