إدارة التفاوض

ثقافة لا توجد تعليقات

تتطلب الطبيعة البشرية إنشاء العلاقات والتواصل الفعال مع الآخرين، لتضمن استمراريتها وبقاءها، قد ينتج عن هذه العلاقات بعض الخلافات في كثيرٍ من الأحيان بسبب اختلاف المصالح أو تضاربها أو اختلاف في وجهات النظر، وبدلاً من اللجوء إلى العنف أو الاعتداء على الآخرين جسدياً أو الاعتداء على حقوقهم ومصالحهم، يلجأ الناس عادةً إلى التفاوض.

تَعَلم مهارات وأدوات التفاوض الفعال من الأمور المهمة التي ستضمن لك الوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة.

ما هو التفاوض؟

التفاوض هو طريقة يستخدمها الأشخاص لفض النزاعات، بحيث يصلون إلى اتفاق أو مقاربة تحقق أكبر قدر من المصالح لجميع الأطراف، بعيداً عن العنف أو الظلم أو استغلال الآخرين.

أمثلة

لا يمكن حصر المجالات التي تحتاج فيها أن تتفاوض مع الآخرين، بدايةً مع الدول والأمم والنزاعات السياسية، لنأخذ أزمة الصواريخ الكوبية على سبيل المثال، هذه الأزمة التي كان سببها محاولة كوبا والاتحاد السوفييتي نشر صورايخ في كوبا التي تبعد 90 ميلاً عن السواحل الأمريكية، انتهت الأزمة بعد مفاوضات عديدة بين أطراف النزاع، صحيحٌ أن هذه النتائج لم تكن مرضيةً بشكل كامل لجميع الأطراف، فقد قدم الجميع بعض التنازلات، إلا أن المفاوضات جنبت العالم خوض حربٍ نووية.

تحتاج إلى التفاوض أيضاً في العمل، في البيت، في كل مكانٍ تقريباً، ستحتاج أحياناً أن تفاوض أطفالك الصغار لإقناعهم بترتيب ألعابهم بعد الانتهاء من اللعب.

مراحل التفاوض الفعال

قد تختلف طرق إدارة التفاوض التي نستخدمها للوصول إلى اتفاق، بغض النظر عن الطرق المستخدمة يجب أن يكون الاتفاق الناتج عن هذه العملية فعّالاً وواقعياً وقابلاً للتنفيذ.

لتضمن سير عملية التفاوض بشكل صحيح اتبع الخطوات التالية لبدء وإدارة التفاوض:

1-    التحضير

من أهم النقاط التي يجب التحضير لها في هذه المرحلة هي نقاط الاختلاف التي استلزمت عملية التفاوض.

 ثم معرفة الأطراف المعنية ودور كل منهم في العملية، ثم معرفة القواعد والمعايير التي ستحكم العملية.

في بيئة العمل مثلاً، يمكنك اللجوء إلى سياسات المؤسسة التي تعمل بها والتي تحدد وظيفة كل شخص والأدوار المنوطة به.

في نهاية هذه المرحلة يلزم مشاركة جميع الأطراف بهذه النتائج، والعمل على ترتيب موعد ومكان اللقاء، التحضير الجيد لهذه الاجتماعات يساعد على توضيح نقاط الخلاف وعدم صنع المزيد منها، ويوفر كثيراً من الوقت الذي قد يضيع في الاجتماع بسبب عدم التحضير.

2-    مرحلة النقاش

تتضمن هذه المرحلة نقاش الخلاف، بحيث يعرض كل طرف من أطراف الخلاف القضية من وجهة نظره، هذا قد يوضح وجهات النظر المختلفة للمشاركين.

الاستماع الفعال للآخرين والإصغاء لوجهة نظرهم من المهارات المهمة التي ستساعد على إنجاح الوصول إلى اتفاق وتطبيقه فيما بعد، من الشائع في هذه الخلافات أن يكثر أحدهم الكلام ولا يسمع إلا القليل.

 من المهم أيضاً طرح الأسئلة الموضوعية، وطلب التوضيحات من الأطراف الأخرى، ويجب أن يحصل جميع الأفراد المشاركين على فرص عادلة لطرح آرائهم.

النقاش الفعال من أهم خطوات التفاوض الناجح، المصدر: pixabay

3-    توضيح الأهداف

بعد مرحلة النقاش يلخص مدير الاجتماع الأهداف المرجو تحقيقها في الاتفاق النهائي، توضيح هذه الأهداف وعرضها على المشاركين سيعمل على وضع بيئة مشتركة للمتحاورين ينطلقون منها للوصول إلى أكثر الحلول إرضاءً لجميع الأطراف.

بدون هذه الخطوة لن يصل المشاركون إلى فهم واضح للمشكلة بجميع زواياها، وقد يعمق هذا الخلاف أكثر بين المشاركين.

في حال فشل النقاش في الوصول إلى أرضية مشتركة أو خروجه عن السيطرة، يُنصح بإعادة جدوله إلى موعد لاحق والعمل على التحضير له مرةً أخرى بناءً على النقاش السابق.

4-    حاول إرضاء الجميع قدر الإمكان

من أفضل النتائج المرجوة حين الخلاف هو الوصول إلى ما يسمى (حالة ربح – ربح)، عليك أن تحاول تحقيق اتفاق مناسب لجميع المشاركين، بحيث يشعرون أنهم حصلوا على شيء مفيدٍ لهم خلال عملية التفاوض، وأن وجهات نظرهم للقضية تم أخذها بعين الاعتبار.

قد يكون من الصعب الوصول إلى هذا الحل أحياناً، لكن من المهم أن يكون هو الحل النهائي الذي يطمح المشاركون الوصول إليه.

5-    الاتفاق

في نهاية الأمر يجب أن يخرج أي اجتماع بمجموعة من النتاجات والقرارات، هذا يتضمن وجود اتفاق بين الأطراف يراعي جميع وجهات النظر قدر الإمكان. ويجب أن يكون الاتفاق النهائي واضحاً لجميع الأطراف دون لبس.

6-    اتخاذ خطوات عملية

بناءً على الاتفاق الناتج عن الاجتماع، يجب وضع مجموعة من الخطوات العملية التي ستضمن حل النزاع وتجاوزه، والعودة إلى سير العمل الطبيعي، يجب ان تُحدد هذه الخطوات بجدول زمني لتنفيذها، ومن المهم أيضاً توزيع الأدوار بشكل صحيح على الأفراد المعنيين، وقد يلزم لاحقاً إجراء مراجعة أو تغذية راجعة للتأكد من تجاوز الخلاف.

نتائج أخرى للتفاوض

حيث أنه من الصعب تحقيق نتيجة (ربح-ربح) في كل الاختلافات، هناك نتائج أخرى قد نحصل عليها من عملية التفاوض، اعتماداً على أهمية المشكلة بالنسبة لك، ومدى أهمية الشخص المقابل بالنسبة لك، يمكن الوصول إلى:

  • الفوز المطلق (الهيمنة): هذه النتيجة قد تحصل عندما تكون أنت الرابح الوحيد، سيصل التفاوض إلى هذه النتيجة عندما تكون القضية مهمة جداً بالنسبة لك والشخص المخالك لك لا يعنيك كثيراً، ومع أن هذه النتيجة مفيدة لك إلا أن آثارها طويلة المدى قد تكون سيئة لك ولعلاقاتك بمن حولك.
  • التنازل: ستصل لهذه النتيجة عندما لا تكون القضية ذات أولوية بالنسبة لك، وتهتم للشخص المقابل لك، وحفاظاً على علاقتك معه تتنازل ويربح هو، هذه النتيجة جيدة لك حتى وإن خسرت في ظاهر الأمر، في كثير من الأحيان يكون الحفاظ على علاقةٍ ما أفضل من كسب خلاف عابر.
  • المقاربة: تحاول هنا الوصول إلى الحل المثالي الذي لا يخسر فيه أحد، لكنك لا تستطيع نظراً للظروف المحيطة بالخلاف، هنا يحصل الجميع على بعض ما يريدون، ويخسر الجميع أيضاً بعض متطلباتهم، وهذه النتيجة هي أفضل نتيجة ممكنة بعد نتيجة (ربح- ربح)، لأنها تشعر الجميع أنهم قدموا تنازلاً في مقابل الحصول على متطلب آخر.

بمقارنة هذه النتائج، تعد نتيجة (الكل رابح) من أفضل النتائج التي يمكن الوصول إليها، وسيكون في غالب الأمر هو الأدوم زمنياً، ومن أكثر الحلول التي يحافظ المنخرطون فيه على علاقاتهم مع بعضهم البعض.

خاتمة

في نهاية الأمر فإن التفاوض ممارسة بشرية مهمة لحل النزاعات، ويعتمد نجاح هذه العملية بشكل أساسي على سلوك الأفراد أثناء إداراتها، مهاجمة الأشخاص وعدم تقبل اختلافاتهم سيفشل العملية بلا شك، محاولة التعاطف مع الآخرين مهمة إما للوصول إلى اتفاق مرضي، أو قد تكتفي بالحفاظ على علاقات جيدة مع الآخرين.

المصادر

Loading

اترك تعليقاً