إدارة الإجهاد

علوم لا توجد تعليقات

 يُعد الإجهاد واحداً من الآثار السلبية الناتجة عن الضغوط المختلفة التي يتعرض لها الإنسان. خلال السنوات المئة  الفائتة، قام العديد من العلماء والنفسيين بدراسة هذه الظاهرة، وظهرت مع هذه الدراسات الكثير من التعاريف التي تعرف هذا المصطلح.

ما هو الإجهاد؟

يعد تعريف ريتشارد لازاروس (Richard S. Lazarus) في كتابه ” الضغط النفسي وعملية التأقلم” (Psychological Stress and the Coping Process) من أكثر التعاريف قبولاً وانتشاراً للإجهاد، حيث يعرفه بأنه:

“الحالة أو الشعور اللذان يصيبان الفرد عندما يدرك أن المتطلبات التي يواجهها في حياته، تزيد عن قدراته التي يواجه بها هذه المتطلبات”. هذه القدرات قد تكون وقتاً أو مصادر أو معرفة معينة أو مهارات لإتقان عمل معين، وباختصار، فإن الإجهاد هو شعور الإنسان بفقدانه التحكم فيما يحدث حوله من أحداث.

في كتابه “ضغط الحياة” (The Stress of Life)، يرى هانز سايله (Hanz Selye) أن الإجهاد ليس بالضرورة شيئاً سيئاً، بل قد يكون في بعض المواقف ايجابياً، اعتماداً على طريقة تعاملنا معه، لكنه يرى أيضاً أن للإجهاد تأثيراته الحيوية الكيمائية على جسم الإنسان سواءً كان سلبياً أو إيجابياً.

لكن العلماء من بعد هانز، يرون الأمر بصورةٍ مختلفة، فقد تم إجراء كثير من البحوث الإضافية، والتي توصلوا منها أن الإجهاد يُعتبر ضاراً ولا يمكن أن يكون مفيداً، حيث أن آثاره طويلة المدى سيئة لسلامة الإنسان وصحته، ونادراً ما لوحظ أن لهذه الآثار مردودات إيجابية.

ممارسة الرياضة قد تخفف من الإجهاد

الاستجابة للإجهاد

يمتلك الإنسان غريزتين أساسيتين تتعاملان مع الإجهاد، أولهما استجابة “اهرب أو قاتل” (fight or flight) المعروفة، وهذه الاستجابة تحدث على المدى القصير، والأخرى هي استجابة تسمى “متلازمة التكَّيف العام” (General Adaption Syndrome)، وهذه تختص بالآثار المترتبة على الإجهاد على المدى الطويل.

“اهرب أو قاتل”

في كتابه “العقل الأحمق” (the idiot brain) يرى دان بيرنيت (Dean Burnett) أن هذه الاستجابة وُجدت غريزياً في الكائنات الحية لحمايتها من الأخطار، فعندما يتعرض الكائن الحي لخطرٍ يهدد حياته، فإنه إما أن يهرب أو يلجأ للقتال، لينجو بحياته.

فعند الاستجابة للمؤثرات الخارجية فإن الجسم يفرز مجموعة من الهرمونات التي ستساعده على الهرب بسرعة أو القتال بضراوة، فتزيد ضخ الدم إلى العضلات المهمة في الجسم، وتقوم بتحويل الدم من الجلد إلى الأعضاء الداخلية لتقليل النزيف في حالة الإصابة.

لكنها –في كثيرٍ من الأحيان- تجعله يتوهم وجود خطر لا وجود له في الحقيقة، ويطرح دان مثالاً على ذلك، أغصان الأشجار التي قد تراها من شباك غرفتك وأنت نائم فتتخيلها أطرافاً لهيكلٍ عظميٍ يريد أذيتك.

 في هذه الحالة فإن هذه الهرمونات ستسبب زيادة التركيز على الخطر المحتمل، وبالتالي تؤدي إلى زيادة القلق، وسرعة الانفعال والتوتر، وأحياناً الأرق. لهذا ينصح أطباء النفس بعدم مشاهدة الأخبار أو الأفلام التي قد تزيد الإنفعالات مما سيسبب التوتر والأرَق.

متلازمة التكيف العام

وتوضح هذه المتلازمة آثار الإجهاد على المدى الطويل، وقد قسمها هانز (الذي ذكرناه سابقاً، وهو من اكتشف هذه المتلازمة) إلى 3 مراحل مختلفة:

  1. مرحلة الإنذار: استشعار الجسم وجود الخطر أو المؤثر الخارجي
  2. مرحلة المقاومة: حيث يحاول الجسم التكيف مع المؤثر، لكنه لا يستطيع البقاء هكذا إلى الأبد.
  3. فَيَصل بالتالي إلى مرحلة الاستنفاذ، حيث يُستنفذ الجسم مادياً ومعنوياً، فيشعر الشخص بالإرهاق أو الانهيار.

آثار وعلامات الإجهاد

للإجهاد آثار على المدى القصير، منها قلة الفاعلية والانتاجية وتوتر العاقلات مع الآخرين، وآثار على المدى الطويل كأمراض جهاز الدوران، وارتفاع ضغط الدم، وضعف جهاز المناعة، وقد يصل الأمر إلى السكتات الدماغية والانهيار. ولا نريد هنا أن نرهقك بالتفكير في الآثار السلبية للإجهاد (خصوصاً اذا كنت تتعرض له) ولكن ما نريده هو أن تدرك جدية الأمر ومدى ضرورة علاجه ومساعدتك على ذلك.

وللإجهاد علامات متنوعة، تختلف من شخصٍ لآخر، لكن هناك بعض العلامات المشتركة بين معظم الناس، منها:

  1. صداع الرأس المتكرر
  2. نوبات الذعر
  3. آلام أو حرقة المعدة والغثيان المتكرر.
  4. الغضب الدائم والانزعاج، وغيرها من العلامات..

التعامل مع الإجهاد

تعتمد طرق التعامل مع الضغوطات المختلفة على مصدر هذه الضغوطات، وسنستعرض هنا 3 طرق للتخلص من الضغوطات:

1- تغيير الأفعال

يمكن التخلص من الضغوطات في هذه الطريقة عن طريق تغيير عادة معينة للقيام بالأمور المختلفة، مما يساعد في استعادة التحكم فيها والتعامل معها بفاعلية، فمثلاً:

 1- تنظيم وإدارة الوقت، لتوفير وقت لإنجاز المهام ذات الأولوية.

2- اذا كان الأشخاص من حولك هم سبب الإجهاد احرص على وضع الحدود المناسبة بينك وبينهم بما يحقق احترامهم لاحتياجاتك.

3- وقد تكون  بيئة العمل هي السبب، فحاول حل المشكلات التي تقلقك أو حتى حاول تغيير بيئة العمل بما يحقق الراحة لك.

2- تغيير المشاعر

هذه الطريقة فعالة عندما يكون سبب الإجهاد هو طريقة تعاطيك مع المشاكل من حولك، في كثير من الأحيان يكون سبب الإجهاد هو فرط التفكير السلبي في كل شيء، رتِّب أولوياتك وضَع استراتيجية دفاع مناسبة تحدد طريقة تعاملك مع المشاكل المختلفة.

3- تقبل الواقع

في كثير من الأحيان لا يكون باستطاعتك تغيير الأمور التي تزعجك، حاول أن تتأقلم وتتقبل الواقع، واسعَ فيما تستطيع تغييره.

دعم الأصدقاء والزملاء المصابين بالإجهاد

إذا لاحظت احدى الأعراض التي سبق ذكرها عند صديق أو زميل، فإنه من المهم دعمه وعرض المساعدة عليه، هناك كثير من الطرق التي تستطيع مساعدة زميلك بها، مثل:

  1. التَّواصل: قد يكون ما يحتاجه الشخص حقاً هو التواصل مع غيره، قد تستطيع مساعدته في ترتيب أفكاره، أو حتى تقديم الدعم المعنوي له.  
  2. محاولة حل المشكلة: حاول إيجاد أصل المشكلة، قدم حلولاً فعالةً لزميلك، قد يكون غفل عنها في خضم الضغوطات التي تواجهه، ولكن حاول قدر الإمكان أن تكون لبقاً ومتفهماً ومتعاطفاً.

خاتمة

لا يمر يومٌ دون أن يواجه أحدنا مشكلةً ما، في العمل أو في البيت أو في أي مكان آخر، ولا بأس بذلك فهذه طبيعة الحياة، كل ما عليك فعله هو أن تسترخي وتفكر في الأمور بهدوء وروية وستجد حلاً مناسباً.

واعلم أن “ما أخطئك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن مع العسر يسرا..”

المراجع

Loading

اترك تعليقاً