إخلاصُ زوجة

حكايات وعِبر لا توجد تعليقات

سليمان بن عبد الملك والمرأة في نواحي الشام

خرج سليمان بن عبد الملك، ومعه يزيد بن المهلب في بعض نواحي الشام، فإذا بامرأةٍ جالسةٍ على قبرٍ تبكي.
قال سليمان: فهبّت الرّيح، فرفعت البرقع عن وجهها، فحكت شمسنا عن متون غمامة (أي وجهها شديد الجمال)، فوقفنا مُتحيرين ننظر إليها،
فقال لها يزيد بن المهلب: يا أمة الله: هل لك في أمير المؤمنين بعلاً (زوجاً)؟
فنظرت إلينا، ثم أنشأت تقول :

فإن تسألاني عن هواي فإنه      بملحودِ القبر، يا فتيان
وإني لأستحييه والترب بيننا       كما كنتُ أستحييه وهو يراني 

فانصرفنا ونحن متعجِّبون من هذا الإخلاص لرجلٍ ميِّت.

البرقع يغطي الوجه

نائلة زوجة عثمان بن عفَّان رضي الله عنهما

هي نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث الكلبي، ولدت لعائلة مسيحية في الكوفة في العراق، واعتنقت الإسلام على يد أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في العام 28 للهجرة، تزوجت من أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

رُوي عن نائلة زوجةُ عثمان رضي الله عنهما، أنَّه عندما اشتدت المحنة على عثمان بن عفان وأُحْكِمَ عليه الحصار، صمدت معه، وتلقت عنه ضربات السيوف قبل أن تصل إليه، وحين هجم عليه أحدهم وهوى عليه بسيفه تلقت السيف بيدها فقُطعت أناملها.

وعاشت نائلة حافظة لذكرى عثمان بن عفان وظلتْ وفية له، فلم تتزوج وكانت من أجمل النساء. وكلما جاءها خاطب رَدَّتْه، ولما تقدم معاوية ابن أبي سفيان لخطبتها أَبَتْ، وسألت النساء عما يعجب الخُطَّاب فيها، فقلن: ثناياك (الأسنان الأربعة في مقدمة الفم) فقد كانت نائلةُ فائقةَ الجمال وأجمل ما فيها ثغرُها (فمها) فخلعت ثناياها، وأرسلت بهنَّ إلى معاوية، وحين سُئلت عما صنعتْ، قالت: حتى لا يطمع فيَّ الرجال بعد عثمان.

وكان ذلك مما رغَّب قبائل العرب في نكاح نساء بني كلب .

الأصمعي والأعرابية

قال الأصمعي: رأيت بالبادية أعرابيّةً لا تتكلّم، فقلت: أخرساء هي؟ فقيل لي: لا، ولكنّها كان زوجها معجباً بنغمتها فتوفّي، فآلت أن لا تتكلّم بعده أبداً.

زوجة هُدبه بن الخشرم

تخاصمَ هدبه بن الخشرم مع زيادة بن زيد وكان الإثنان من شعراء زمنهما، ربما كان أصل الخصومة تسابقهما ومنافستهما في الشعر، لكن ما زاد الطين بلّه أنه وفي رحلتهما إلى الحج قام هُدبة يُنشِدُ شعراً بأخت زيادة ولكنها لم تكن تسمعه، فما كان من زيادة إلا وأن أنشد شعراً في أخت هُدبةَ فنزل به غضبٌ شديد لأن أخته كانت تستمع إلى الشعر. تطورت الأحداث وقام هُدبة بقتل زيادة فحبسه سعيد بن العاص حيث كان والياً على المدينة المنورة في ذلك الزمن. ظل هدبه في السجن ثلاث سنين حتى بلغ المَسور بن زيادة سن الرُّشد ليحكم في دم أبيه.

طلب المسور دم أبيه وجيء بهدبة بحضرة مروان بن الحكم، والي المدينة حينها، لحقت زوجة هدبة وقد كانت فاتنة الجمال بزوجها وهو متجه من السجن لمجلس مروان حتى يتم قتله، فأدركه عبد الرحمن بن حسان، فقال له: يا هدبة، أتأمرني أن أتزوج هذه بعدك، يعني زوجته، وهي تمشي خلفه فقال: نعم، إن كنت من شرطها، قال: وما شرطها؟ قال: قد قلت في ذلك: فأنشد زوجته قصيده يقول فيها:

أَقِلّي عَليَّ اللَومَ يا أُمَّ بَوزَعا ..... وَلا تَجزَعي مِمّا أَصابَ فأَوجَع
وَلا تَنكَحي إِن فَرَّقَ الدَهرُ بَينَنا ..... أَغَمَّ القَفا والوَجه لَيسَ بأَنزَعا
كَليلاً سِوى ما كانَ من حَدِّ ضِرسِهِ ..... أُكَيبِدَ مِبطانَ العَشيّاتِ أَروَعا
ضَروباً بِلَحَييهِ عَلى عَظمِ زَورِهِ ..... إِذا القَومُ هَشّوا لِلفَعالِ تَقَنَّعا
وَصولٍ وَذي أَكرومَةٍ وَحَميَّة ..... وَصبراً إِذا ما الدَهرُ عَضَّ فأَوجَعا

فأتت زوجته إلى قصاب (جزّار)، فقالت: أعطني شفرتك، وخذ هذين الدرهمين، وأنا أردها عليك، فأخذتها وأرسلت ملحفها (حد السكين) على وجهها، ثم جدعت أنفها من أصله، وقطعت شفتيها وردت الشفرة إلى القصاب. ثم أقبلت حتى دخلت بين الناس، فقالت: أتراني يا هُدبة متزوجة بعد ما ترى، فقال: الآن طابت نفسي بالموت، فجزاك الله من حليلة وفية خيرًا.

زوجته تنكث بعهدها

حدّث أحدهم أنه يوماً في بعض المياه، فإذا بامرأةٍ تمشي أمامه وهي مدبرة، ولها خلق عجيب من عجز وهيئة، وتمام جسم، وكمال قامة، فإذا صبيان قد اكتنفاها يمشيان، قد ترعرعا، فتقدمها، والتفت إليها، فإذا هي أقبح منظر، وإذا هي مجدوعة الأنف، مقطوعة الشفتين، فسألت عنها فقيل لي: هذه امرأة هُدبة، تزوجت بعده رجلاً، فأولدها هذين الصبيين.

المراجع

  • المستطرف في كل فن مستظرف، شهاب الدين الأبشيهي، دار مكتبة الحياة، 2008.
  • سيرة أعلام النبلاء، الجزء الثاني، للحافظ الذهبي، ص124-126.
  • تاريخ القضاعي: كتاب عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف، ص 385، المملكة العربية السعودية، وزارة التعليم العالي، جامعة أم القرى، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، مركز البحوث واحياء التراث الإسلامي، 1995.
  • قصص العرب، الجزء الأول، محمد أحمد جاد المولى، المكتبة العصرية، 1939.

Loading

اترك تعليقاً