الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز والشمعة

حكايات وعِبر لا توجد تعليقات

في إحدى ليالي الشتاء الباردة، وفد على الخليفة عمر بن عبد العزيز رسولٌ من إحدى الولايات، فاستقبله الخليفة أحر الاستقبال وأجلسه بجانبه وأشعل له شمعة كبيرة تنير المكان قائلاً: أخبرنا أيها الرسول عن حال أهل البلد الذي أتيت منه، وعن الأسعار، وأبناء المهاجرين والأنصار، وأبناء السبيل والفقراء؟
أخذ الرسول يحدّث الخليفة عن كل شيء يعلمه من أمر بلده، ولما انتهى من كلامه، نظر إلى الخليفة قائلاً: يا أمير المؤمنين كيف حالُك في نفسك وبدنك وعيالك؟
مشى الخليفة إلى الشمعة الكبيرة وقام بإطفائها، ثم طلب من خادمه أن يأتيه بسراجه الخاص. وما هي إلا لحظات حتى جاء الخادم بشمعة صغيرة لا تكاد تضيء ووضعها أمام يدي الخليفة. تعجب الرسول من صنيع الخليفة قائلاً: يا أمير المؤمنين لماذا أطفأت الشمعة الكبيرة عندما سألتك عن حالك وأحوال عائلتك؟

أجاب الخليفة: الشمعة التي أطفأتُها هي من مال الله ومال المسلمين، وكنت أسألك عن أمرهم وحوائجهم وهي موقدة فلما سألتني عن شأني وعيالي أطفأتُ شمعة بيت مال المسلمين وأشعلت الشمعة الخاصة بي وبأهلي.

هذا درس وحكمة، فهذا عمر بن عبدالعزيز أحد رموز العدل و الأمانة التي سطرها التاريخ كان يرى أن العدل أساس الملك وأن المسلمين أمانة سيسأل عنها، فكان يتقي الله فيهم، وفي أموالهم ودمائهم ، ويراعي مصالح الأمة ويعطي كل ذي حق حقه ، حتى الشمعة لم يستهن بها!
لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة جاءه صاحب الشرطة ليسير بين يديه بالحربة على عادته مع الخلفاء قبله، فقال له عمر: مالي ولك؟ تنح عني، إنما أنا رجل من المسلمين. ثم سار وساروا معه حتى دخل المسجد، فصعد المنبر واجتمع الناس إليه، فقال: أيها الناس ! إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم ولأمركم من تريدون. فصاح المسلمون صيحة واحدة: قد اخترناك لأنفسنا وأمرنا، ورضينا كلنا بك.

فلما هدأت أصواتهم حمد الله وأثنى عليه وقال: أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف، وأكثروا من ذكر الموت فإنه هادم اللذات، وأحسنوا الاستعداد له قبل نزوله، وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها ولا في كتابها ولا في نبيها، وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحدا باطلا، ولا أمنع أحدا حقا، ثم رفع صوته فقال: أيها الناس ! من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم

المراجع

  • من كتاب سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الله بن عبد الحكم
  • سيرة عمر بن عبد العزيز على ما رواه الإمام مالك بن أنس وأصحابه

Loading

اترك تعليقاً