هيرو أونودا آخر محاربي الساموراي

أعلام لا توجد تعليقات

هيرو أونودا الجندي الياباني الذي لم يعرف الاستسلام…

ولد أونودا في 19 مارس 1922 في قرية كاميكاوا بمحافظة واكاياما في اليابان. كان أيضًا واحدًا في سلسلة طويلة من المحاربين اليابانيين الملقبين بالساموراي، يعود تاريخه إلى أسلافه من الساموراي ويستمر حتى والده، الذي كان رقيباً في سلاح الفرسان الياباني قاتل ومات في الحرب الصينية اليابانية الثانية في الصين.

عندما كان يبلغ من العمر 17 عامًا، ذهب للعمل في شركة تاجيما يوكو التجارية في ووهان، الصين. وعندما بلغ 18 عامًا، تم تجنيده في مشاة الجيش الإمبراطوري الياباني، وذلك قبل عامٍ واحدٍ فقط من دخول اليابان في حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد الهجوم على بيرل هاربور.

في الجيش، تدرب أونودا كضابط استخبارات في صف الكوماندوز ‘فوتاماتا’ في مدرسة ناكانو، وهي مركز تدريب عسكري متخصص في تدريس التقنيات العسكرية غير التقليدية، بما في ذلك حرب العصابات والتخريب ومكافحة التجسس والدعاية.

كانت المهارات التي اكتسبها أونودا من تدريبه في تلك المدرسة مفيدة خاصةً عندما تم إرساله إلى جزيرة لوبانج في الفلبين بعد انتهاء تدريبه في 26 ديسمبر عام 1944. أعطاه الضابط المسؤول تعليمات أن يحارب حتى الموت وأن الاستسلام ممنوع وأن المعارك ستستمر بين 3 إلى خمس سنوات، ومهما سيحدث فإنهم سيعودون له، لكن عليه أن يواصل القتال حتى لو بقي معه جندي واحد فقط، كما عليه أن يواصل القيادة.

وحين تجمّع الجنود اليابانيون في الجزيرة، هاحمها الأمريكيون والقوات الفلبينية (الحلفاء) وسيطروا عليها، والذي سهَّل مهمة الحلفاء هو رفض الجنود اليابانيبن الأوامر التي كانت قد أُعطيت لأونودا بتدمير الميناء والمطار، فسيطرت قوات الحلفاء بالكامل على الجزيرة في 28 فبراير عام 1945م. وانقسم الجنود اليابانيون إلى مجموعات صغيرة مكونة من 3 أو 4 أفراد، وتخفوا عن الأنظار في الأدغال.

الاختفاء في الأدغال

قُتلت غالبية هذه المجموعات، وقد تشكّلت مجموعة أونودا من ثلاثة جنود يابانيين، استخدموا تكتيكات حرب العصابات لحماية أنفسهم من العدو، وكذلك للحصول على إمدادات الغذاء، والتي كانوا يحصلون عليها من الأدغال، وكذلك من شن الغارات على بعض المزارع لسكان فلبينيين محليين.

في أكتوبر عام 1945م، أَسقطت طائرات منشورات على الجزيرة تُخبر أن الحرب انتهت في 15 أغسطس لكن الجنود اليابانيين لم يصدقوا، وقالوا أن ذلك لا بدّ وأنه إشاعة من قوات الحلفاء. فلم يعرفوا أن اليابان قد تعرضت لأسوأ كارثة بعد إلقاء القنبلتين على هيروشيما وناجازاكي.

وبعد مرور حوالي عام أسقطت طائرة منشورات أخرى على الجزيرة تطلب منهم الاستسلام، وكانت موقّعة باسم الجنرال المسئول عنهم “ياماشيتا” لكنهم لم يصدقوا وقالوا أن اليابان لو انتصرت في الحرب، فإنها بكل تأكيد ستعود إليهم لتأخذهم من هذا المكان، وكانوا على قناعة بأن هذه دعاية من الحلفاء.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل استمرت الطائرات بإسقاط المنشورات والصحف اليابانية التي تحثهم على الاستسلام كما أن اليابان قامت بإرسال أقارب الحنود للجزيرة وعبر مكبرات الصوت طلبوا منهم تسليم أنفسهم وحاولوا إقناعهم بأن الحرب قد انتهت إلا أنه كانت هناك قناعة راسخة في أدمغتهم بأن الحرب لم تنتهِ.

وبعد مرور خمسة أعوام قرر أحد الجنود الأربعة الاستسلام دون أن يخبر رفاقه الثلاثة، وفي هذه الفترة قُتل جندي آخر في مناوشات على شاطئ جونتين، وبقي أونودا، وجندي آخر فقط.

أونودا والقتال الطويل

وبعد مرور 17 عامًا استمر أونودا وزميله في القتال وجمع المعلومات الاستخباراتية، بل وكانا على قناعة بأن اليابان سترسل المزيد من القوات للدعم. وفي أكتوبر عام 1972، وبعد مرور 27 عامًا، قُتل الجندي كوزوكا والذي كان رفقة أونودا في اشتباك مع دورية فلبينية. وكان اليابانيون قد اعتقدوا أنه قُتل قبل زمن، لكن استلامهم لجثته جعلهم يفكرون في أن يكون أونودا على قيد الحياة، على الرغم من إعلانهم ومنذ وقت طويل مقتله في الحرب.

وقد أرسلت اليابان فرقة للبحث عنه، لكن للأسف كان من الصعب العثور عليه فقد برع في التخفي لـ 27 عامًا، فاستمر في مهمته القتالية. في عام 1974م قرر طالب جامعي يُدعى “ناريو سوزوكي” السفر إلى الفلبين، وكانت من بين قائمة مهامه العثور على أونودا، وبالفعل سافر إلى الجزيرة، وحاول تقفي أثره، فعثر عليه مختبئًا.

حاول سوزوكي إقناعه بالعودة معه، فرفض ذلك قائلًا بأن ضباطه سيعودون إليه ليأخذوه من هنا، كما رفض الاقتناع بفكرة نهاية الحرب أو استسلام اليابان. خلال الـ 29 عامًا قتل أونودا 30 فلبينيًا، وأصاب 100 آخرين، ودمر محاصيل زراعية كثيرة اعتقادًا منه أنهم الأعداء من قوات الحلفاء. عاد سوزوكي إلى اليابان ليخبر مرؤوسيه بالأمر، فأرسلوه مرةً أخرى إلى الجزيرة الفلبينية، لإقناع أونودا بأن اليابان قد استسلمت، ولإقناعه أيضًا بالاستسلام للقوات الفلبينية.

أونودا يقتنع بالحقيقة

حصل ما لم يخطر على بال أونودا، وما رفض أن يصدقه كل تلك الفترة، فقد تلقى صدمة بالغة حين علم أخيرًا أن اليابان بالفعل قد استسلمت، وأن الحرب قد انتهت، وأنه قَتَل وجرح فلبينيين أبرياء. في العاشر من مارس عام 1975م خرج أونودا من معقله في الأدغال بكامل زيه الرسمي، وسلَّم سيف الساموراي للرئيس الفلبيني حينها “فرديناند ماركوس” والذي عفا عنه وعن الجرائم التي ارتكبها بحق الفلبينيين. وحين عاد إلى اليابان استقبل استقبالاً يليق بالأبطال، وتسلّم جميع مستحقاته عن السنوات الثلاثين التي قضاها في العمل العسكري.

الحياة الجديدة في اليابان

اصطدم أونودا بواقع الحياة المختلف في اليابان، فالكثير من الفضائل لم تعد موجودة، أو بالأحرى تغيرت مع مرور الزمن، ما دفعه للهجرة إلى البرازيل، واشترى مزرعة هناك وتزوج. كتب أونودا سيرته الذاتية في كتاب أطلق عليه ” لا استسلام، ثلاثون عاماً من الحرب” والذي روى فيه تفاصيل ما جرى معه.

تأثر كثيرًا أونودا في قصة قرأها عن مراهق ياباني قتل والديه، وحزن لما وصلت إليه أحوال الحياة والناس في اليابان، فقرر العودة إلى اليابان عام 1984م ليؤسس هناك مدرسة يعلّم فيها صغار السن تقنيات البقاء على قيد الحياة، وأن يكونوا أكثر استقلالية ومواطنين يابانيين جيدين.

في مايو عام 1996م ذهب أونودا إلى الجزيرة التي كان مختبئًا فيها لما يقرب ثلاثين عامًا، وتبرع بعشرة آلاف دولار للمدارس المحلية. عاش بقية حياته في اليابان، حتى وافته المنية في السادس عشر من يناير عام 2014م في طوكيو. رحل أونودا عن العالم، لكنه استطاع أن يحفر اسمه في وجدان اليابانيين وذاكرتهم، كيف لا، وهو الرجل الذي لم يعرفمعنى الاستسلام.

المراجع

Loading

اترك تعليقاً